دخلت الحرب في السودان عامها الثالث، لكن مشهدها تغيّر كلياً. فمنذ السيطرة الكاملة للقوات المسلحة على العاصمة الخرطوم ومراكز الثقل محاور الوسط في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض، لم يعد السؤال “من سينتصر؟”، بل أصبح: متى تنتهي الحرب وكيف ستُبنى الدولة من جديد؟
كردفان ودارفور: المعركة الأخيرة وليست المستحيلة
التحول النوعي في مسار الحرب دفع الدعم السريع والإمارات إلى الهروب من المركز نحو الأطراف، حيث تسعى لتثبيت موطئ قدم يعزز موقفها التفاوضي … لكن الواقع الميداني يقول غير ذلك
في كردفان تشير الوقائع إلى أن المعركة محسومة استراتيجياً، ولن تطول كثيراً زمنياً، نظراً لطبيعة الأرض، والتضييق العسكري المحكم ، وغياب الحاضنة المجتمعية للمليشيا نسبياً
أما دارفور، فرغم التعقيدات القبلية والجغرافية، فإن السيناريو الأقرب أن تُستنزف الدعم السريع على مراحل وضربها في عمقها من مناطق سيطرتها ، خاصة مع الانهيارات المتكررة في صفوفها والانقسامات الداخلية . ويتوقع أن تمتد العمليات فيها حتى نهاية هذا العام، لكنها ستكون تدريجية ومحسوبة، دون تأثير على الأمن في بقية البلاد
والأهم من ذلك، أن الإجراءات القانونية التي اتخذتها حكومة السودان ضد الإمارات في محكمة العدل الدولية، ستجبر أبوظبي على التراجع عن تمويل وتسليح الدعم السريع كما أن التحركات الدبلوماسية المكثفة والجهود الدولية الأخيرة لكشف جرائم الدعم السريع تُشكّل ضغطاً سياسياً وأخلاقياً متصاعداً، سيؤدي إلى تقهقر المليشيا ميدانياً وتضييق خياراتها تفاوضياً. هذا الزخم القانوني والدبلوماسي مرشّح لأن يُجبر المليشيا على التفاوض من موقع أضعف، والقبول بالتنازلات وتنفيذ المطالب الوطنية، مما يسرّع وتيرة الحسم النهائي
متى تعود الحياة؟ ومتى يعود الناس؟
السؤال الذي يطرحه ملايين السودانيين داخل وخارج الوطن: متى يمكن العودة؟
الجواب ببساطة: العودة بدأت فعلاً، لكنها لن تكون دفعة واحدة
في الخرطوم وأجزاء واسعة من الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، بدأت عمليات تأهيل الخدمات وإزالة الأنقاض، وشهدنا عودة بعض الأسواق والمراكز الصحية، وفتحت بعض المدارس أبوابها تدريجياً. وهذا يعني أن المرحلة الانتقالية لإعادة الحياة بدأت بالفعل، وستتوسع تدريجياً خلال النصف الثاني من هذا العام، خاصة مع استقرار الوضع الأمني وتقدم الجيش في العمليات
من يعيد الإعمار؟ وكيف؟
لجنة إعادة الإعمار وضعت خطة ثلاثية:
1.استجابة إنسانية طارئة واستقرار أولي
2.إعادة بناء القدرات المحلية والمؤسسات
3.تحقيق تنمية مستدامة ومنع عودة الحرب
لكن الحقيقة الصلبة هي: من أعاد الحياة للبلاد حتى الآن هم السودانيون أنفسهم
من التكايا التي أطعمَت الملايين في الداخل، إلى المغتربين الذين موّلوا العلاج والإيواء والتعليم، هذا الشعب هو من أبقى السودان واقفاً على قدميه حين تخلّت عنه كل الحكومات والمنظمات
رسالة للمتحيرين في دول الجوار:
من ينتظر “ضوءاً أخضر” من منظمة أو عودة الكهرباء 24 ساعة ليعود، ربما يفوته قطار البناء القادم بسرعة.
العودة لا تعني رفاهية، بل مسؤولية. والمساهمة في ترميم الوطن تبدأ الآن، لا بعد أن يكتمل كل شيء
لم تقتصر تداعيات الحرب على الجوانب الأمنية والعسكرية، بل امتدت لتشمل النسيج الاجتماعي، حيث تسببت في تفاقم النزاعات القبلية وتعميق الانقسامات بين المكونات المختلفة.”
“برزت لجان المقاومة الشعبية كقوة فاعلة على الأرض، حيث لعبت دورًا حيويًا في تقديم المساعدات الإنسانية وتنظيم جهود الإغاثة في المناطق المتضررة.”
“يواجه الاقتصاد السوداني تحديات جمة في مرحلة ما بعد الحرب، تتطلب تضافر الجهود لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.”
“يمثل الشباب السوداني ثروة حقيقية للبلاد، ويمكن استثمار طاقاتهم في بناء مستقبل أفضل من خلال توفير فرص التعليم والتدريب والعمل.”
“يتعين على المجتمع الدولي أن يضطلع بدوره في دعم السودان في مرحلة ما بعد الحرب، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية، والمساهمة في جهود السلام والمصالحة.”
خاتمة: السودان ليس فقط ينتصر… بل يعيد تعريف نفسه من جديد
نهاية هذه الحرب ليست مجرد إنهاء تمرّد مسلح، بل بداية سودان جديد يُبنى بالإرادة لا بالتمويل المشروط.
سينتصر السودان، ليس لأن العالم أنقذه، بل لأن شعبه قرر ألا يموت، قرر أن يعيش… وأن يعيد بناء بلاده بيده، لا بوعود الخارج
يمكنك مشاركة هذا المحتوى :