العنكبوت

مقالات سياسية | إجتماعية | رياضية | إخبارية

الاخبار

تحالف “تأسيس” أمام اختبار الشرعية… الحلو يتمسك برئاسة الحكومة الموازية وسط خلافات الداخل وثقل الانتهاكات على الأرض

يواجه تحالف “السودان التأسيسي – تأسيس” لحظة سياسية حرجة، في ظل تعثّر مشروع الحكومة الموازية، نتيجة خلافات جوهرية حول توزيع المناصب السيادية، بالتوازي مع صعوبات ميدانية وأخلاقية تتعلق بالانتهاكات الجسيمة التي تُنسب إلى مليشيا الدعم السريع.

وبحسب تقرير موسع نشرته سودان تربيون، فإن منصب رئيس الوزراء تحول إلى نقطة خلافية شائكة  و إن  تأخر الإعلان عن الحكومة يعود إلى رفض الهادي ادريس و الطاهر حجر منح منصب رئيس الوزراء للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال عبدالعزيز الحلو ، بعد الاتفاق المسبق على تولي محمد حمدان دقلو (حميدتي) رئاسة المجلس الرئاسي للحكومة الموازية. فقد أصرّت الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال على الحصول على رئاسة الحكومة التنفيذية .

هنا لا نتحدث فقط عن تنازع حول المناصب، بل عن تناقض عميق في الرؤية فالحركة الشعبية تحمل مشروعًا أيديولوجيًا وأجندة حكم ذاتي واضحة، بينما تعتمد مليشيا الدعم السريع على قوة السلاح وتكتيكات الأرض المحروقة دون أي قاعدة سياسية مدنية حقيقية .

وأشارت بعض المصادر إلى أن الحركة الشعبية تدرس الانسحاب من التحالف، في حال لم يتم التوصل إلى تسوية تعكس وزنها داخل التحالف .

عبء الانتهاكات… والواقع الميداني

في موازاة الخلافات السياسية، تواجه مليشيا الدعم السريع حمولة ثقيلة من الانتهاكات الميدانية الموثقة، والتي أثّرت بشكل مباشر على صورة التحالف ومشروعية أي سلطة يُفكّر في تشكيلها.

من أبرز هذه الجرائم:
• مجزرة المساليت في الجنينة – يونيو ٢٠٢٣، والتي راح ضحيتها المئات من المدنيين العزّل، على أساس عرقي.
• اغتيال والي غرب دارفور خميس أبكر، بعد أسره حيًا، وهي جريمة صدمت الرأي العام، ودفعت الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق دولي رسمي في جرائم الحرب المرتكبة في غرب دارفور.
• بالإضافة إلى مقاطع مصوّرة صادمة لانتهاكات جسيمة، تم توثيقها بكاميرات أفراد من داخل مليشيا الدعم السريع نفسها، ما جعل الانتهاك أقرب إلى الاعتراف العلني.

وفي هذا السياق، و على سبيل المثال جاء خطاب حميدتي يوم ٢ يونيو ٢٠٢٥ ليزيد من تعقيد الصورة، إذ علّق على مقطع دهس جندي سوداني بسيارة عسكرية تابعة للدعم السريع وثقه جنوده ، قائلًا إنه شاهد المقطع و أمر بمحاسبة الجناة و هو اعترافًا ضمنيًا بأن الجنود الذين ارتكبوا الفعل يتبعون بالفعل لقواته، وهو ما يلقي بمزيد من الشكوك حول قدرة التحالف على بناء مؤسسات تستند إلى قيم العدالة والمسؤولية.

حذر المجتمع الدولي و اعتراف داخلي بصعوبة القبول الخارجي

رغم الزخم الإعلامي الذي رافق توقيع الميثاق في نيروبي، لم يصدر أي اعتراف رسمي من أي جهة دولية أو إقليمية بالحكومة الموازية أو إشارات ذات صلة ، ما يعكس حذرًا سياسيًا واضحًا من المجتمع الدولي في التعامل مع هذه المبادرة.

وفي ظل هذا السياق المركّب، جاءت تصريحات علاء نقد، الناطق الرسمي باسم تحالف تأسيس، في يوم ٣١ مايو الماضي على منصة سودان 360، لتضيف بعدًا آخر من الواقعية، إذ قال بوضوح إن “الاعتراف بالحكومة الموازية في هذه المرحلة سيكون صعبًا”، ما يعكس إدراكًا داخليًا بأن المجتمع الدولي لن يتعاطى بسهولة مع سلطة تدور في فلك قوة عسكرية متهمة بارتكاب فظائع.

الانقسام السياسي وتآكل الثقة و الواقع الميداني

التحالف ذاته يعاني من فقدان التوازن السياسي الداخلي، في ظل غياب توافق حقيقي بين قواه، مع تضارب في الرؤى، وصعوبة تقديم خطاب سياسي موحّد، فضلًا عن واقع ميداني لا يحسم لصالحه. ففي المقابل، تواصل القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة بسط نفوذها في عدد من الولايات، وسط تقدم تدريجي في جبهات متعددة مدعومة بزخم شعبي واضح. وهذا الواقع يجعل من فكرة الحكومة الموازية تحديًا ليس فقط سياسيًا، بل عمليًا أيضًا من حيث الإمكانات والسيطرة الفعلية.

قراءة مستقبلية: التحالف يواجه معضلة ثلاثية:

1. خلاف داخلي على المناصب يهدد تماسكه.

2. عدم القدرة على ممارسة سيادة حقيقية في مناطق متنازع عليها.

3. محدودية القبول الدولي والإقليمي لمشروع حكومي موازٍ في ظل استمرار الحرب  .

على ماذا يُعول حميدتي

في ظل استمرار الدعم العسكري والتقني الذي يتلقاه من الإمارات واللواء خليفة حفتر، يخوض قائد مليشيا الدعم السريع حربًا مفتوحة دون هوادة، يدرك في قرارة نفسه أن العودة إلى المعادلة السياسية التقليدية باتت معقدة، إن لم تكن مستحيلة، خاصة بعد الكلفة البشرية العالية التي تكبّدها مجتمعه المحلي.

وقد لمح في خطابه الأخير إلى حجم الخسائر غير المعلنة، حين تحدث عن عزمه إنشاء “عدد كبير من المستشفيات” للجرحى، في ما اعتُبر إشارة غير مباشرة إلى أعداد المصابين الكبيرة في صفوف قواته.

لكن هذا المسار التصعيدي لا يأتي دون ثمن، إذ تتزايد الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق المدنيين الأمر الذي يضع شركاءه “المدنيين” في تحالف “تأسيس” في موقف حرج. فهؤلاء يعتمد عليهم في تسويق المشروع سياسيًا، إلا أن استمرار هذه الانتهاكات يقوّض قدرتهم على تبرير التحالف أمام الرأي العام المحلي والدولي.

الخلاصة:

تحالف “تأسيس” أمام مفترق طرق واضح. فبين الخلافات الداخلية التي تُهدد تماسكه، والانتهاكات المرتبطة بمكونه العسكري الأقوى، وصعوبة الحصول على اعتراف خارجي، تبدو الحكومة الموازية أقرب إلى مشروع غير مكتمل، ينتظر معجزة سياسية في زمن لا يحتمل التأجيل.

وإذا لم تُعالَج هذه الملفات بوضوح وشفافية، فستبقى “تأسيس” أداة تفاوض عسكرية لا مشروع حكم مستدام. حيث أن الشرعية لا تُصنع بالميثاق وحده، بل بالميدان، والمحاسبة، والتوافق.

يمكنك مشاركة هذا المحتوى :