العنكبوت

مقالات سياسية | إجتماعية | رياضية | إخبارية

الاخبار

المسيرات في ساحة الحرب السودانية: تحول جذري في ديناميكيات الصراع وتأثيراته الاستراتيجية.

دكتور : حيدر البدري.

.مقدمة: نقلة نوعية في طبيعة الحرب :

شهدت الحرب السودانية (2023-الآن) تحولاً جذرياً مع دخول الطائرات المسيرة كعامل حاسم في ميدان القتال، لا سيما بعد العام الأول من الصراع. تحولت هذه الأنظمة من مجرد أدوات تكتيكية إلى أسلحة إستراتيجية أعادت تشكيل توازن القوى بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع المتمردة  (RSF). وفقاً لتحليلات الخبراء العسكريين، مثل العميد طيار علي أحمد خالد، تمثل هذه الطائرات **نقلة نوعية** في إدارة المعارك، حيث أدت إلى تغيير مجريات العمليات العسكرية بشكل غير مسبوق ….

التطور التاريخي لدور المسيرات:

المرحلة الأولى: مسيرات بدائية محلية الصنع

في الأشهر الأولى للحرب، اعتمد الطرفان على مسيرات بدائية صُنعت محلياً بواسطة هيئة التصنيع العسكري التابعة للجيش. استولت قوات الدعم السريع على بعضها عند سيطرتها على منشآت الهيئة، مما وفر لها قدرات أولية في المراقبة والهجمات المحدودة .

المرحلة الثانية: دخول المسيرات المتطورة:

مع دخول الحرب عامها الثاني (2024-2025)، حصل كلا الطرفين على مسيرات متطورة من مصادر خارجية:
– الجيش السوداني: حصل على مسيرات TB2 التركية (المعروفة باسم “بايكارا”)، بالإضافة إلى طائرات إيرانية الصنع، مما عزز قدراته في الضربات الدقيقة .

– قوات الدعم السريع: تلقت مسيرات صينية الصنع، خصوصاً النماذج التكتيكية والاستراتيجية، عبر شبكات لوجستية تدعمها الإمارات وتشاد .

البنية التقنية والوظيفية للمسيرات:

أنواع المسيرات وأدوارها

| النوع        | المهام                 المستخدم | المصدر   
| استطلاعية   | تجسس، مراقبة، نقل معلومات | كلا الطرفين | محلي/تركي/صيني |
| قتالية    | ضرب أهداف بقنابل وصواريخ  | أساساً الجيش | تركيا/إيران    |
| لوجستية   | نقل إمدادات طبية وغذائية | الدعم السريع | صيني            |
| إلكترونية    | تشويش اتصالات             | كلا الطرفين | غير محدد        |

التقنيات المتقدمة:

– التحكم عن بعد: بعض المسيرات الاستراتيجية تُتحكم بها من مراكز في دول الجوار (مثل تشاد أو ليبيا)، ويمكنها التحليق لأكثر من 40 ساعة متواصلة .
– الذكاء الاصطناعي: تُستخدم برمجيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، والكشف عن المخاطر، وتنسيق عمليات أسراب المسيرات بشكل ذاتي .
– الدقة العالية: تصل دقة إصابة الأهداف إلى مستويات “متناهية”، وفقاً للرائد محمد عبدالمنعم مقلد، مما يجعلها فعالة في تدمير البنية التحتية الحيوية .

التأثير على الاستراتيجية العسكرية:

إعادة توازن القوى

– لصالح الدعم السريع: مكّنت المسيرات الاستراتيجية قوات الدعم السريع من تعويض غياب الطيران التقليدي لديها، مما سمح لها بمضاهاة قوة سلاح الجو التابع للجيش .

– لصالح الجيش: استعاد الجيش زمام المبادرة في 2025 بفضل المسيرات التركية، التي ساعدته في
-استعادة القصر الجمهوري في الخرطوم وتقليص سيطرة الدعم السريع على العاصمة .

تغيير جغرافية الحرب

– توسيع نطاق الصراع: انتقلت الحرب من الخرطوم ودارفور إلى شرق السودان (بورتسودان، كسلا، عطبرة)، حيث تستهدف المسيرات المنشآت الحيوية مثل محطات الكهرباء ومستودعات الوقود .
– حرب الأعماق: مكّنت المسيرات كلا الطرفين من ضرب عمق مناطق الخصم دون تعريض قواتهما للخطر المباشر.

الأبعاد الجيوسياسية

دور القوى الإقليمية والدولية:

| الداعم    | المستفيد    | نوع الدعم       | الهدف الجيوسياسي              |
|—————|——————-|———————|————————————-|
| الإمارات  | الدعم السريع     | مسيرات صينية/تمويل | السيطرة على مناجم الذهب والموانئ |
| تركيا     | الجيش السوداني   | مسيرات TB2          | تعزيز النفوذ في البحر الأحمر     |
| إيران    | الجيش السوداني   | مسيرات/دعم فني     | مواجهة النفوذ الإماراتي          |
| روسيا     | كلا الطرفين      | مرتزقة/أسلحة       | تأمين قاعدة بحرية على البحر الأحمر |

– الإمارات: اتُهمت بإنشاء شبكة لوجستية لإرسال الأسلحة إلى الدعم السريع عبر تشاد، وهو ما أكده فريق خبراء الأمم المتحدة كـ”مزاعم ذات مصداقية” .
– روسيا: تحولت مؤخراً من دعم الدعم السريع إلى تقديم أسلحة للجيش مقابل الحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان .

انتهاك القانون الدولي:

يتهم مراقبون المجتمع الدولي بـ”النفاق” لتجاهله دعم الإمارات وتشاد للدعم السريع، بينما يُنتقد الجيش لاستيراده المسيرات .

التحديات الأمنية والإنسانية:

تأثير على المدنيين والبنية التحتية:
– خسائر اقتصادية: تسببت هجمات المسيرات على المدن الشرقية في خسائر تُقدّر بـ 700 مليون دولار(بين أبريل-مايو 2025)، خاصة في قطاعي الطاقة والكهرباء .
– تدمير الخدمات الأساسية: استهدفت المسيرات محطات الكهرباء في عطبرة وشندي وأم دباكر، مما أدى إلى انهيار الخدمات الصحية وانتشار الكوليرا في ولايات مثل سنار والشمالية .
– تهجير سكاني: هجمات بورتسودان دفعت آلاف المدنيين للنزوح، وهددت وجود البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية .

تحديات المواجهة:

طور الجيش دفاعات مضادة للمسيرات عبر:
– نشر مضادات أرضية في المدن المستهدفة.
– أنظمة تشويش إلكتروني لاعتراضها.
لكن فعاليتها تظل محدودة ضد المسيرات المتطورة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي .

الاستشراف المستقبلي: سيناريوهات متوقعة:

1. توسيع نطاق الحرب: قد تتحول السودان إلى ساحة لـ”حرب مسيرات إقليمية” تشمل دول الجوار إذا استمرت التدفقات السلاحية .
2. تقسيم السودان: مع تراجع الدعم السريع نحو دارفور، قد يؤدي الصراع إلى تقسيم فعلي للبلاد، مشابهاً لحالة ليبيا، مع حكومتين متنافستين .
3. تطور التكنولوجيا: ستزداد الاعتماد على مسيرات ذاتية التعلم قادرة على تنسيق هجمات جماعية (سرب مسيرات)، مما يزيد دمارها .
4. ضغوط دولية: قد تدفع الهجمات على المدن الآمنة المجتمع الدولي إلى **فرض حظر أسلحة صارم**، خاصة بعد إعلان المجاعة في دارفور .

الخاتمة:

تحولت الطائرات المسيرة في السودان من أدوات تكتيكية إلى أسلحة إستراتيجية تغير قواعد اللعبة، مستفيدة من:
– تآكل السيادة الوطنية بسبب التدخلات الخارجية.
– تقدم التكنولوجيا العسكرية بأسعار متاحة.
– غياب آليات الرقابة الدولية الفعالة.

يظل الخطر الأكبر هو تحول السودان إلى مختبر مفتوح لحروب المسيرات، حيث تدفع المدنيون وحدهم ثمن سباق التسلح هذا، وسط مجاعة صنفتها الأمم المتحدة كـ”أسوأ أزمة جوع في العالم” . إن لم تُوقف هذه الديناميكية، فقد تشير الحرب السودانية إلى مستقبل مظلم لحروب القرن الحادي والعشرين: حروب تُخاض عن بعد، لكن ضحاياها المباشرين هم من  المدنيين العزل. والبنى التحتية.

يمكنك مشاركة هذا المحتوى :